[ومن خلال ما تقدم يتبيّن ما لهذه المدينة المقدّسة من المنزلة عند أهل البيت (عليهم السلام) وما لأهلها من الشأن والمكانة.
وقد مرّ أنّ قم حرم آل محمد، وهي كوفتهم الصغيرة ومأوى شيعتهم، وتضافرت الرّوايات الواردة عنهم (عليهم السلام)، في بيان فضلها وأفضليّتها على كثير من البقاع.
فمنها: ما روي عن الصادق (عليه السلام) أنّه ذكر الكوفة، قال: ستخلو الكوفة من المؤمنين، ويأزر عنها العلم كما تأزر الحيّة في حجرها، ثم يظهر العلم ببلدة يقال لها قم، وتصير معدناً للعلم والفضل حتى لا يبقى في الأرض مستضعف في الدين حتى المخدرات في الحجال، وذلك عند قرب ظهور قائمنا، فيجعل الله قم وأهلها قائمين مقام الحجّة، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها، ولم يبق في الأرض حجة فيفيض العلم منها إلى سائر البلاد في الشرق والغرب، فيتمّ حجّة الله على الخلق، حتى لا يبقى أحد على الأرض لم يبلغ إليه الدين والعلم، ثم يظهر القائم (عليه السلام) ويسير سبباً لنقمة الله وسخطه على العباد، لأنّ الله لا ينتقم من العباد إلا بعد إنكارهم حجّته.(1)
ومنها: ما رواه أنس بن مالك، قال: كنت ذات يوم جالساً عند النبي (صلّى الله عليه وآله) إذ دخل عليه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال (صلّى الله عليه وآله): إليّ يا أبا الحسن، ثم اعتنقه وقبّل ما بين عينيه، وقال: يا علي إنّ الله عزّ اسمه عرض ولايتك على السماوات فسبقت إليها السماء السابعة فزينها بالعرش، ثم سبقت إليها السماء الرابعة فزيّنها بالبيت المعمور، ثم سبقت إليها السماء الدنيا فزينها بالكواكب، ثم عرضها على الأرضين فسبقت إليها مكّة فزيّنها بالكعبة، ثم سبقت إليها المدينة فزيّنها بي، ثم سبقت إليها الكوفة فزيّنها بك، ثم سبقت إليها قم فزيّنها بالعرب، وفتح إليها باباً من أبواب الجنة.(2)
ومنها: ما روي عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: قم عش آل محمد، ومأوى شيعتهم، ولكن سيهلك جماعة من شبابهم بمعصية آبائهم، والاستخفاف والسخرية بكبرائهم ومشايخهم، ومع ذلك يدفع الله عنهم شرّ الأعادي وكلّ سوء.(3)
ومنها: ما روي عن أبي عــبــد الله (عليه السلام) قال: إذا عمّت الــبلدان الفتن فعـــليكم بــقم وحواليها، فإنّ البلاء مدفوع عنها.(4)
ومنها: ما روي عن الصادق (عليه السلام) قال: إذا أصابتكم بليّة وعناء فعليكم بقم، فإنّه مأوى الفاطميين، ومستراح المؤمنين، وسيأتي زمان ينفر أولياؤنا ومحبّونا عنّا ويبعدون منا، وذلك مصلحة لهم لكيلا يُعرفوا بولايتنا، ويحقنوا بذلك دماءهم وأموالهم، وما أراد أحد بقم وأهلها سواءً إلا أذلّه الله وأبعده من رحمته.(5)
ومنها: ما روي عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: إنّ للجنة ثمانية أبواب، ولأهل قم واحد منها، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم، ثم طوبى لهم.(6)
ومنها: ما رواه عفان البصري عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال لي: أتدري لم سمّيت قم؟ قلت: الله ورسوله وأنت أعلم، قال: إنّما سمّيت قم لأنّ أهلها يجتمعون مع قائم آل محمد ـ صلوات الله عليه ـ ويقومون معه، ويستقيمون عليه وينصرونه.(7)
ومنها: ما رواه صفوان بن يحيى بيّاع السّابري قال: كنت يوماً عند أبي الحسن (عليه السلام) فجرى ذكر قم وأهلها وميلهم، إلى المهدي (عليه السلام)، فترحم عليهم، وقال: رضي الله عنهم، ثم قال: إنّ للجنة ثمانية أبواب وواحد منها لأهل قم، وهم خيار شيعتنا من بين سائر البلاد، خمّر الله تعالى ولايتنا في طينتهم.(
ومنها: ما روي عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: إنّ لعلى قم ملكاً رفرف عليها بجناحيه، لا يريدها جبّار بسوء إلا أذابه الله كذوب الملح في الماء، ثم أشار إلى عيسى بن عبد الله فقال: سلام الله على أهل قم، يسقي الله بلادهم الغيث، وينزل الله عليهم البركات، ويبدّل الله سيئاتهم حسنات، هم أهل ركوع وسجود وقيام وقعود، هم الفقهاء العلماء الفهماء، هم أهل الدراية والرواية وحسن العبادة.(9)
ومنها: ما روي عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: تربة قم مقدسة، وأهلها منّا ونحن منهم، لا يريدهم جبّار بسوء إلا عجّلت عقوبته ما لم يخونوا إخوانهم، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم جبابرة سوء، أمّا إنّهم أنصار قائمنا، ودعاة حقّنا، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم اعصمهم من كلّ فتنة، ونجّهم من كلّ هلكة.(10)
ومنها: ما روي عن الرضا (عليه السلام)، قال: للجنّة ثمانية أبواب، فثلاثة منها لأهل قم، فطوبى لهم، ثم طوبى لهم.(11)
ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: صلوات الله على أهل قم، ورحمة الله على أهل قم، سقى الله بلادهم الغيث..(12)
ومنها: ما رواه أبو الصّلت الهروي قال: كنت عند الرضا (عليه السلام) فدخل عليه قوم من أهل قم فسلّموا عليه، فردّ عليهم وقرّبهم، ثم قال لهم: مرحباً بكم وأهلاً، فأنتم شيعتنا حقاً، فسيأتي عليكم يوم تزورون فيه تربتي بطوس، ألا فمن زارني وهو على غسل خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه.(13)
ومنها: ما ورد في كتاب الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) إلى أهل قم وآبه (آوه) وجاء فيه: إنّ الله تعالى بجوده ورأفته قد منّ الله على عباده بنبيّه محمد بشيراً ونذيراً، ووفقكم لقبول دينه، وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب أسلافكم الماضين ـ رحمة الله عليهم وأصلابكم الباقين تولّى كفايتهم وعمّرهم طويلاً في طاعته ـ حبّ العترة الهادية، فمضى من مضى على وتيرة الصواب، ومنهاج الصدق، وسبيل الرشاد، فوردوا موارد الفائزين، واجتنوا ثمرات ما قدّموا، ووجدوا غبّ ما أسلفوا..(14)
وغيرها من الروايات الكثيرة، وهي تدلّ على جلالة هذه المدينة وأهلها، ورعاية الأئمة (عليهم السلام) لهم، وعنايتهم بهم، ممّا جعل من هذه المدينة حصناً منيعةً للتشيع، وقلعة محكمة تدافع عن حريم مذهب آل محمد (صلّى الله عليه وآله) عبر القرون في صلابة من الولاء لأهل البيت (عليهم السلام)، ورسوخ في الاعتقاد.
1 - تاريخ قم، ص95، وبحار الأنوار: ج60، ص213.
2 - تاريخ قم، ص94، وبحار الأنوار: ج60، ص212.
3 - تاريخ قم، ص98، وبحار الأنوار: ج60، ص214.
4 - تاريخ قم، ص97، وبحار الأنوار: ج60، ص214.
5 - تاريخ قم، ص98، وبحار الأنوار: ج60، ص214-215.
6 - بحار الأنوار: ج60، ص215.
7 - تاريخ قم، ص100، وبحار الأنوار: ج60، ص216.
8 - تاريخ قم، ص100، وبحار الأنوار: ج60، ص216.
9 - تاريخ قم، ص99، وبحار الأنوار: ج60، ص217.
10 - تاريخ قم، ص93، وبحار الأنوار: ج60، ص218-219.
11 - بحار الأنوار: ج60، ص228.
12 - بحار الأنوار: ج60، ص228.
13 - عيون أخبار الرضا: ج2، ص260.
14 - مناقب آل أبي طالب ج 4 ص458